18 - 05 - 2025

مؤشرات | كفى إقتراضًا يا سادة

مؤشرات | كفى إقتراضًا يا سادة

يوما بعد يوم تثبت التجربة أن التنمية الإقتصادية هي الحل الأمثل لأزمات أي بلد في العالم وفي القلب منه مصر، وذلك من خلال تعزيز القطاع الصناعي الإنتاجي، والتوسع في القطاع الزراعي والعمل على تنمية الصادرات، يضاف إليه ذلك حركة سياحة حقيقية، يدعمها فكر سياحي خارج الصندوق، برؤية تننمية للإقتصاد المجتمعي، يقوم عليها وزراء إقتصاديون سياسيون ، وليس مجرد "موظفون تكنوقراط".

هذا فعلا ما أثبته استسهال الحكومة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وارتفاع عبء الديون الخارجية التي تجاوزت 159 مليار دولار، الجانب الأعظم منها ذهب لقطاع ما يسمى الإقتصاد الخدمي، وليس الإنتاجي، وهو ما دفع الحكومة لفكرتها الجهنمية ببيع أصول الدولة، على أمل جلب40  مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة دولار ، ومغازلة العاملين بالخارج باستيراد سيارات مع إعفاء جمركي.

هذا الإقتراحان، وغيرهما من أفكار الحكومة الأخرى، مازال هناك جدل حولهما، ولن يحققا ما يطمح له الفكر الحكومي في عصر أعباء أكبر دين في تاريخ البلاد، والذي وضع مصر على رأس الدول العربية الأكثر إستدانة، والثانية عالميا بعد الأرجنتين من حيث الإقتراض من صندوق النقد الدولي، ومازالنا في طريق الإستدانة، لأكثر من 18 مليار دولار أخرى، وفقا لإتفاق صندوق النقد الدولي الأخير، والذي تضمن قرضا بقيمة 3 مليارات دولار، ومع إمكانية الحصول على قرض آخر من أحد مؤسساته، وتسهيل الحصول على 14 مليار أخرى، من الشركاء والمؤسسات الدولية.. والعداد يعد!.

القضية خطيرة جدا فالطريق وراء صندوق النقد طال، ولم يعد هناك مجال للتكرار، فشروط ومطالب الصندوق بعيدة كل البعد عن مصالح المواطنين، والعدالة الإجتماعية، وحقوق الفقراء في حياة كريمة، ولا يعنيه مطالب الشارع، ولا حتى مشروعات الحكومة "القومية"، كل ما لايعنيه قدرة البلاد على سداد القروض وفوائدها، ومجموعة من السياسات في الإقتصاد الكلي، وليس "الإقتصاد الإجتماعي"، ولا حتى الدعم ورغيف العيش، ولا الغلاء الذي يكوي حياة الناس كل ثانية.

أيها السادة أعيدوا حساباتكم نحو التنمية، وهذه إحدى نصائح صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير، عندما دعا نصا إلى "إدارة "المشروعات الاستثمارية الوطنية "بطريقة تتماشى مع الاستدامة الخارجية والاستقرار الاقتصادي".

وهذا يتطلب حسابات دقيقة لحجم تداعيات للسير للأمام في تلك المشاريع، أو التوقف لالتقاط الأنفاس، وتحديد الاولويات فيما بينها، والأخذ بالأكثر أهمية، والتوقف عن المشروعات الواجب تأجيلها، والتي تتسبب في الدفع إلى مزيد من الإستدانة، داخليا أو محليا.

الأخطار تحيط بإقتصادنا، ومن يقول غير ذلك يدفن رأسه في الرمال، ومن يصرح أن الدنيا بخير يكذب علي الناس، والدليل ارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي، ومعدلات الشراء في الأسواق، وإعادة الناس إلى هيكلة مشترياتهم، للسلع بل للمواد الغذائية.

بل هناك ظاهرة جديدة تكشف حجم الأزمة، وهو ما أعلنته إدارات بعض المشاريع الخيرية عن نقص التبرعات، والتي وصلت لمرحلة "الندرة والجفاف"، في انعكاس واضح لحجم الأزمة الإقتصادية حتى على العمل الخيري والإجتماعي.

فقبل أيام أعلن مستشفى 57357 عن ضائقة مالية يمر بها، هي الأولى من نوعها، وتعرض متابعة حالات 18 ألف طفل مريض بالسرطان للخطر، ولا شك أن ما يواجهه هذا المشروع الخيرى، - بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه -، يمثل تجسيدا للأزمة الإقتصادية، والتأثير المباشر على معدلات تبرعات الناس الخيرية، وليس هذا المشروع الخيرى هو الوحيد الذي يعاني من تداعيات الأزمة الإقتصادية، فكثير من الأعمال الخيرية تواجه نفس النقص في التبرعات بمعدلات مختلفة.

ومن المهم أن نأخذ هذا الأمر في الاعتبار، عند قياس إنعكاسات الأزمات الإقتصادية، وفي اتخاذ القرارات التي تمس حياة الناس اليومية، وكذلك تلك التي تزيد من الأعباء على المواطن، فليس ما يطالب به صندوق النقد يصلح لبلادنا، فإختيارات برامج الإصلاح الوطنية، تكون لها الأولوية.

ولننظر إلى أن الصندوق مازال يريد مزيدا مما أسماه بالمرونة في أسعار صرف الجنيه، وهو ما يعني الدعوة لمزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه، فقد قال نصه في بيانه أيضا " إن التزام السلطات الأخير بالتحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن والتخلص من تشوهات السياسة السابقة ، ....، هي خطوات مرحب بها".

والعبء في نهاية السعر المرن للجنيه على المواطن البسيط، والذي يتحمل المردود السلبي لارتفاع قيمة فاتورة الإستيراد للسلع بصفة عامة، وارتفاع فاتورة الإنتاج لأي منتج تدخل في عناصره مواد خام مستوردة، و حتى محلية،  ولا يعني صندوق النقد الدولي كل هذه الأعباء وغيرها.

وتستمر نصائح الصندوق "المؤلمة".. أن الإتفاق يتيح تمويلا إضافيا لصالح مصر بقيمة 14 مليار دولار أمريكي تقريبا من شركائها الدوليين والإقليميين، شاملا موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف".

لاحظ كلمة "البيع" من خلال بيع أصول الدولة لمن يشتري بثمن أكثر.. دون مراعاة لحقوق الأجيال القادمة.. وأخشى أن تكون قناة السويس في الطريق والعودة لزمن "سياسة الإمتياز" الإستعمارية.. ومهما تم نفي هذا فـ"الخوف قائم".. ونحتاح لحوار وطني حقيقي حول مجمل الملف، وليس كما جرى في المؤتمر الإقتصادي..

نتمنى أن نكون مخطئين وهناك واقع غير ما نعيشه!
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود